الثورة السورية- صبر شعب، عدوان طائفي، واحتلال روسي وآمال منتظرة

المؤلف: د. عامر البو سلامة11.12.2025
الثورة السورية- صبر شعب، عدوان طائفي، واحتلال روسي وآمال منتظرة

تمرّ الثورة السورية الغرّاء في هذه الأيام منعطفًا جديدًا، حيث تدخل عامها الثالث عشر، في خضم محاولات بائسة من العدو لترويج أكاذيبه بأن النظام قد حقق النصر المنشود، وأن كل شيء قد بلغ نهايته، وهم يهدفون من وراء ذلك إلى إلحاق الهزيمة بالناس من خلال التلاعب النفسي، لكي يذعنوا لأي حل مهما كانت صورته أو طبيعته، وهي رواية زائفة بكل المقاييس، ظاهريًا وباطنيًا، ينقضها الواقع الملموس، وترفضها الحقائق الجلية بكل تفاصيلها. لذا، يتحتم علينا أن نتشبث بالصمود، وأن نفضح هذه المزاعم، وأن نثبت على درب الثورة المباركة حتى تتحقق أهدافها النبيلة.

إن هذه الذكرى السنوية العظيمة تأتي لتوقظ فينا الإحساس بعظمة صبر هذا الشعب الأبي، وصموده الأسطوري، وقوته الهائلة في مواجهة جبروت نظام الإجرام في سوريا، ومن يسانده من قوى الشر والظلام الدامس.

وتتزامن هذه الذكرى العزيزة الغالية على قلوب السوريين الأحرار الشرفاء، مع شهر رمضان المعظم المبارك، شهر الصبر والتضحية والعطاء، وشهر الطاعات والقربات، شهر القرآن الكريم والصيام والقيام، وصلة الأرحام، شهر الجهاد والبطولات والغزوات الفاصلة الحاسمة بين الحق والباطل، كغزوة بدر الكبرى، وفتح مكة المكرمة، وحطين، وعين جالوت، وغيرها من المعارك المصيرية الخالدة في التاريخ الإسلامي الزاهر.

ولعل هذا التزامن المبهج الميمون، يبعث في النفوس معاني الطمأنينة والسكينة والبشرى بموعود الله – عز وجل-، لهذا الشعب الصابر المثابر الصامد، بأن بعد كل ضيق اتساعًا وانفراجًا، ومع كل عسر يسرًا.

هذه الثورة المباركة، التي سطّرت اسمها بأحرف من نور في سجلات التاريخ المضيئة المجيدة، بوصفها من أروع وأعظم ثورات العصر الحديث صمودًا ورسوخًا وثباتًا، وأكثرها مشروعية وحقًا وعدلًا، وأغلاها كلفة وبذلًا وتضحيات بشرية ومادية باهظة، لا مناص من وقفة مراجعة وتقييم جادة، لتصويب مسارها، وإعادة توجيه بوصلتها، وترشيد فعلها وسعيها.

إنه من الضروري واللازم أن نشخّص بكل دقة وواقعية الأوضاع التي آلت إليها الثورة في الوقت الراهن، تشخيصًا أمينًا حقيقيًا، بعيدًا عن أي تجميل أو تزييف أو مداهنة، لنتمكن بعد ذلك من وضع الحلول الناجعة الملائمة لإعادة النهوض والانطلاق، انطلاقة جديدة راشدة، مستفيدين من دروس الماضي وتجاوز أخطائه وعثراته.

انطلاقة الثورة.. أمل وألم

لا يمكن لأي إنسان عاقل أو منصف ذي ضمير حي أن ينكر أو يجادل في أن هذه الثورة قامت سلمية بامتياز وجدارة، مطالبة بالحرية والعدل والكرامة الإنسانية، إلا أن نظام القمع والبطش والإرهاب والإجرام المستشري في سوريا تعامل معها بمنطق القوة الغاشمة والقتل والتنكيل وإرهاب السلطة الذي لا يعرف سواه، فسلط على الشعب الثائر شبّيحته وجلاوزته وأجهزته القمعية الجهنمية الباطشة، مرتكبًا بحقهم مجازر وحشية تقشعر لها الأبدان، يندى لها جبين الإنسانية خجلًا، وتشمئز منها ضمائر العالم الحي، وما القصف بالسلاح الكيميائي المحرم دوليًا إلا مفردة واحدة فحسب من مفردات تلك الفظائع والجرائم الشنيعة، التي ارتكبها هؤلاء المجرمون عديمي الضمير والقيم.

لكن الشعب السوري البطل واجه ذلك القتل والإجرام بصبر وثبات وتحدٍّ وإصرار، وصمد أمام آلة إرهاب النظام صمودًا عجبًا، رغم جسامة الخطْب، وفاتورة الموقف الباهظة.

لقد قاومت هذه الثورة الفريدة من نوعها جبهة واسعة عريضة من الأعداء المجرمين المتآمرين من الداخل والخارج، فصمدت.. كما قوبلت بخذلان مشين وواضح، ومؤامرة دنيئة كبيرة فلم يزدها ذلك إلا صمودًا وإيمانًا وتسليمًا بقضاء الله وقدره.

عدوان طائفي

ثم جاء دور نظام الحقد الطائفي البغيض صاحب المشروع الأسود الخطير، والمخطط الهدام الخبيث، حليف نظام الأسد الإستراتيجي القديم، فما إن رأى نظام الأسد بدأ يتهاوى ويسقط أمام صلابة ثورة الشعب وعزيمته التي لا تلين، حتى تدخل بكل ما أوتي من قوة لينقذه من السقوط المحتوم، وخشية انكسار العمود الفقري لمشروعه الطائفي الخبيث المقيت، الذي عمل لعقود طويلة على زجّ سوريا في أتون محرقته المهلكة.

وما لبث نظام إيران أن دخل المعركة بكل ما يملك من لوازم وأدوات، وزج بإمكاناته وقدراته كافة، وحرك أذرعه الطائفية السيئة الخبيثة في كل مكان، مرتكبًا أبشع الجرائم والفظائع بحق أبناء الشعب السوري في المدن والبلدات والقرى السورية الآمنة.

لكن رغم كل هذا البطش والإجرام والتنكيل، لم يكن الطريق أمام نظام إيران وأذرعه الإجرامية سهلًا وميسرًا، فكانت المفاجأة الصادمة والمذهلة لهم أن وجدوا ثوارًا أبطالًا صابرين صامدين ثابتين على الحق.

احتلال روسي

ولما أن عجز النظام وحلفاؤه الطائفيون عن القضاء على الثورة واستئصالها واقتلاعها من جذورها، لم يجدوا بدًّا من عقد معاهدة ماكرة دنيئة مع نظام روسيا؛ من أجل إنقاذ الموقف اليائس؛ فلجأ رأس النظام إلى الخيانة العظمى والغدر الأكبر، باستقدام الروس المستعمرين، حتى يحققوا لهم ما يصبون إليه من أهداف ومآرب خبيثة لئيمة، راهنًا لهم مقدرات البلاد وخيراتها وثرواتها، وحاضرها ومستقبلها المشرق.

وبالفعل، جاء الدب الروسي ببربريته وهمجيته المعهودة، وقسوته المعروفة، ونفسيته السادية الوحشية، وأدواته الفتاكة المدمرة، ووسائله الإجرامية الحديثة المتطورة، وصاروا يصبون جام غضبهم وحقدهم الدفين على أبناء الشعب السوري العظيم الذين خرجوا مطالبين بالحرية والعدل والكرامة والعزة.

لقد ارتكب المحتلون الروس جرائم كثيرة لا تحصى ولا تعد، قتلوا خلالها خلقًا كثيرًا لا يحصيهم إلا الله، خصوصًا من الأطفال الأبرياء والنساء العفيفات والشيوخ الضعفاء، فذهب ضحية قصفهم الظالم الإجرامي أسرٌ بكامل أفرادها، كما قاموا بتدمير الكثير من منازل المواطنين الآمنين، وتخريب البنى التحتية الحيوية.. ونتيجة قصفهم الهمجي البربري رحل مئات الألوف من السكان عن مدنهم وقراهم وبلداتهم، وصاروا إما نازحين بائسين على الحدود، أو لاجئين مشتتين في الدول المحيطة وغيرها من الدول.

عوامل النصر والنجاح

لا بد، كما أسلفنا وذكرنا، من وقفة جادة ومراجعة شاملة..

من هنا كان علينا أن نعرف جميع جوانب النقص والقصور، لأن معرفة الداء وتشخيصه بدقة، هو المقدمة الصحيحة الناجعة للعلاج والشفاء.

وعلينا أن ندرك تمام الإدراك، أن من أهم وأبرز عوامل النصر والنجاح والفلاح، وحدة الصف، واتحاد الكلمة، واجتماع العاملين المخلصين، وأن الفرقة والاختلاف شر مستطير، وهي من أكبر المصائب والرزايا، التي تواجه المجتمعات والتجمعات، فضلًا عن الثورات والمشاريع التغييرية الكبيرة.

والمطلب العملي العاجل، هو أولًا وحدة التنسيق والتعاون والتكاتف، وهناك جهود مباركة ناشئة في هذا الشأن، نشد على أيدي أصحابها المخلصين للوصول إلى نقطة الالتقاء في عالم المرجو والمأمول من هكذا عمل مهم ولازم وضروري، وبهذا نضع أقدامنا بثبات على طريق الوصول الآمن بسلام وأمان.

قال الله – تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف:4). وقال نبيه الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

وكلمة صادقة خالصة لأبناء الشعب السوري الأبي: اصبروا وصابروا ورابطوا في أرضكم، واتقوا الله في كل أقوالكم وأفعالكم، لعلكم بذلك ترحمون.. وحدوا صفوفكم ورصوها، واجمعوا كلمتكم ووحدوها، وتسامحوا فيما بينكم وتجاوزوا الخلافات، وكونوا عباد الله إخوانًا متحابين.. وتعاونوا على فعل الخير والإحسان، وكونوا يدًا واحدة متماسكة، في الداخل والخارج على السواء، سياسيين وإغاثيين، مدنيين وعسكريين، علماء وقادة.

ثم ننطلق صفًا واحدًا ويدًا واحدة نعمل جاهدين على إحياء قضيتنا العادلة وثورة شعبنا الأبي حتى نحقق أهدافها السامية النبيلة.

ولا بد أيضًا من التركيز بشكل كبير على الداخل السوري، وتحقيق اللحمة الوطنية الصادقة، والنظر بعين فاحصة في الثغرات الموجودة، لسد الخلل ومعالجة النقص، وتصحيح الأوضاع المعوجة، ولم الشمل ورأب الصدع، وتنظيم الأمور بصورة فعالة ومثمرة، والتواصل المستمر مع الناس لتلمس احتياجاتهم وحل مشكلاتهم.

أما أبناء الشعب السوري في الخارج، فعليهم أن يكونوا سفراء خير وبر وإحسان أينما كانوا وحيث حلّوا لهذا الشعب المنكوب وهذه الثورة المباركة، يذبّون عنه كيد الكائدين الحاقدين، وشائعات المغرضين المضللين، وتشويه المشوهين المغرضين، وطعن الطاعنين الخائنين، وتلفيق الملفقين الكاذبين، فالأعداء كثر، وغفلة الصالحين الطيبين مشكلة كبيرة، فالتحديات جسيمة لا يستهان بها، والعقبات تحتاج إلى تعاون وتكاتف كي نتجاوزها ونتغلب عليها.

وبالمقابل، يلزمنا أن نقف وقفة متأنية على حقيقة هذا التخاذل الرهيب المخزي، الذي يتعلق بقضية ثورة سوريا، ندرس أسباب ذلك ودوافعه الخفية والظاهرة، ونقف على حقيقة الأمر بعمق ودراية وفطنة، من غير عواطف جياشة ولا انفعالات طائشة، ثم نحاول جاهدين وضع النقاط على الحروف، في إيجاد الحلول المناسبة لهذه المعضلة المستعصية.

ومن ثم لا بد من وضع خطة عمل شاملة متكاملة، لتحريك الحدث السوري عالميًا، دون إهمال لأحد أو تقصير، عربيًا وإسلاميًا ودوليًا، ويكون ذلك عن طريق تشكيل لجان متخصصة، كل في مجاله واختصاصه، حتى نعيد للقضية السورية ألقها وبريقها، وما تستحق من اهتمام وعناية على مستوى العالم أجمع.

ومعلوم للجميع أن القضية السورية، خفت الحماسة والاهتمام بها، بصورة نسبية ملحوظة.. وإن وضعها من جديد على رأس القضايا الساخنة الملحة، أمر ضروري ومطلوب بإلحاح.

نتذكر دائمًا أهمية الدور المحوري للعلماء الربانيين، وأنهم ملح البلد وعماده، وما يجب أن يقوموا به من واجب المناصرة والدعم لشعب سوريا المظلوم، وحثّ الناس على الوقوف بجانبهم ومد يد العون لهم، وجمع التبرعات والصدقات لهم، فالعلماء لهم منزلتهم الرفيعة ومكانتهم السامية في نفوس أبناء الأمة الإسلامية، وصوتهم مسموع ومؤثر، وكلمتهم نافذة، من هنا كان على عاتقهم جميعًا، حمل الأمانة الثقيلة، إذ هم "ورثة الأنبياء".

الدور العربي والإسلامي المنتظر

إن مشروع الشعب السوري العظيم في إسقاط النظام الظالم المستبد، مشروع جليل عظيم يستحق الدعم والمساندة، ويحق لكل الناس أن يساندوه ويقفوا معه، فزوال هذا النظام المجرم الخائن الغاشم هو الخير كله لسوريا وشعبها، كما أنه أمان وسلام لدول الجوار من أمة العرب الكريمة، وتسلم من شره الجم أمة الإسلام كافة، فزوال النظام المجرم الخائن الفاسد فريضة شرعية وواجب ديني، وضرورة سياسية ملحة، وحالة إنسانية نبيلة.

إن المعركة الدائرة رحاها في سوريا، هي معركة الأمة بأسرها، فالشعب السوري البطل يواجه مشروعًا خبيثًا خطيرًا، مشروعًا طائفيًا بغيضًا اجتثاثيًا، يريد الهيمنة والسيطرة على الأمة وسحقها وابتلاعها والقضاء عليها، والمعوّل والمأمول على شعب سوريا الأبي، أن يكون هو الأداة الفعالة القوية لتحطيم هذا المشروع الخبيث، والقضاء عليه نهائيًا.. وهذا يحتاج إلى مساندين وداعمين ومناصرين مخلصين، ومن يقدم البذل والعطاء اللازم لمثل هذا العمل العظيم المبارك، فهل من قائل بصدق وإخلاص: لبيك يا شعب سوريا.

إن الشعب السوري ينتظر بفارغ الصبر من العرب الأصلاء والمسلمين الغيارى وأحرار العالم قاطبة أن يقفوا إلى جانبه، في مشروعه الحضاري العظيم، الذي يطالبون به، وينادون بمبادئه وقيمه السامية، ومما يريدونه أيضًا:

ألا ينسَى كل مسلم موحد على وجه الأرض أن يرفع أكف الضراعة بالدعاء الصادق لأبناء الشعب السوري وثورته المباركة، خاصة في هذا الشهر الفضيل المبارك؛ حتى يتحقق النصر المؤزر على المعتدين الظالمين، ويقيموا دولتهم المنشودة العادلة، التي عنوانها العدل والإنصاف، الذي هو جماع الحسنات كلها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة